Friday, December 25, 2015

الفصل التاسع: في عالم الفكر الفني

الدراسات

 "أسهم في بناء فكر قومي من خلال البحث في معالم الحضارة العربية ونشرت مؤلفاته في الثقافة والفن , تضمنت رسالته في جمالية الفن العربي.
  كانت دراساته في الفن قد وجدت معيناً خصباً لها في التراث الفني الإسلامي. فانكب على دراسته من زاوية تحديد جمالية هذا التراث، فكان مشروع رسالته الثانية دكتوراه الدولة في جامعة السوربون  - باريس 1978.
وتتالت الدراسات تصدر في كتب مرجعية عن دور النشر العربية  ، موضوعها الفن والعمارة والجمالية ، وكان همه أن يسد  نقص المكتبة العربية بمراجع تتحدث في تاريخ الفن وفي مصطلحاته وفي فلسفته. وما زالت المعاجم التي صدرت له عن مجمع اللغة العربية بدمشق أو عن مكتبة لبنان عماد الباحثين والدارسين.
وما زالت  مؤلفاته السبعون شاهدة على فكره، متاحة للقارئ في جميع المكتبات العالمية ، من مكتبة الكونغرس إلى المكتبة الوطنية في دمشق ."

درس التصوير في أكاديمية أندره لوت الفنان الفرنسي والمؤرخ، وتعلم منه أن مصدر الفنون هو الشرق، فلقد قرأ لأستاذه مؤلفاته عن الفن المصري، وعندما انتسب إلى جامعة السوربون عام 1962 كان موضوع رسالة الدكتوراه  " ألاستشراق والفن الحديث ".
هكذا حدد طريقه الفني في اتجاه واضح، أن يدرس ما استطاع تاريخ الفن العربي الإسلامي وان يتعمق في جمالياته، سعياً وراء تأصيل الفن الحديث.وعندما أتيحت له الفرصة عام 1961 أن يمضي إلى باريس، كان عليه أن ينتسب للحصول على الدكتوراه في الحقوق. ولكن دراساته في معهد اللوفر مع الاساتذة كاسو ودافيد و فييل  , ومعهد الفنون والآثار التابع لجامعة باريس . ومعهد اندريه لوت، دفعته إلى متابعة الدراسة في كلية الآداب والعلوم الانسانية  في جامعة الصوربون  , للحصول على شهادة الدكتوراه في تاريخ الفن في 9 حزيران عام 1964 وبإشراف رونيه هويغ وأندريه جوليان و عضوية ريموند بروشفيك عميد كلية الدراسات الاسلامية والناقد الكبير رولان شاستيل في قاعة بولا, وكان موضوعه الاستشراق والفن.  ثم حصل بعد انقطاع على شهادة دكتوراه الدولة من الجامعة ذاتها 16\12\عام 1978 في فلسفة الفن العربي بإشراف جاك لو بوت.وترأس لجنة التحكيم العالم إيليسييف والاعضاء الاساتذة ريمون وفيال و لود . وحضور أستاذي المشرف على رسالتي لو بوت  في قاعة كلوبير في بناء الصوربون .وحضر النقاش سفير سورية يوسف شكور والأصدقاء مطاع صفدي و بدر الدين عرودكي  ومجموعة من الاساتذة .."

 الحنين للوطن في باريس

من خطاب وزير الثقافة الدكتور رياض نعسان آغا

"مضى إلى فرنسا ودرس في جامعة الصوربون ولكنه لم يتفرنس، ولم ينس جلده وهويته. درس الفن وتاريخه وفلسفته هناك ليطبق أدواته هنا، فكان واحداً من أوائل من صنعوا المثاقفة بين حضارة الغرب وحضارة العرب، لم يقف منبهراً بل وقف متأملاً، لم ينفق عمره لكي يتحدث عن ما أوحى إليه نهر السين، وإنما عاد إلى التوحيدي، لينظر عند أجداده الخبر اليقين وليكتشف فلسفة الجمال عند أبي حيان."

يا موطناً كتبتُ فيه  قصتي           أودعتُ فيها نسبتي  ونشأتي
زرعتَ في قلبي  ولاءً سابغاً         لا يرتوي   إلّا بحبّ   بلدتي
إني وهبتُ الروح فدواً أبتغي         لموطني  وأمتي     شهادتي
يا موطناً أودعتُ فيه صبوتي        وجعلتُ من صبابتي حضارتي
إني زهدتُ بالسنا   وبالغنى          وكنت أنت   محتدي  وقوتي
من ديوان " أبيات على صفحة الجبين


يقول الاستاذ مروان مراد : " أذكر في الخمسينات من القرن الماضي، وكنت في المحطة الأولى من الطريق الطويلة في البحث الأدبي والتاريخي، حين عرَّفني أستاذي المؤرخ القدير الراحل د. شاكر مصطفى إلى مؤلفات د. عفيف البهنسي، ولفت انتباهي إلى ملامح عديدة في شخصيته.
-       الدأب في السعي وراء المصادر الثقة.
-       الأمانة في التدقيق والتحقيق.
-       البلاغة في التعبير بأسلوب علمي وفني.
-       الرقي في استخدام الصور الراقية والوثائق والمخطوطات إضافة للإخراج الفني المبتكر، واستخدامه لكل ذلك لتحقيق هدفين رائعين:

الأول: إضاءة سرادق التاريخ، والكشف عن الصفحات الذهبية للتراث الفكري العربي الإسلامي، وتجديد نبض الحياة في الوثائق والسجلات التاريخية التي تجلو للأجيال ما كان من سبقٍ متميز للمؤرخين والمبدعين الرواد في كل مجال...
والثاني: التعريف بالمعالم التاريخية، الأوابد والمشيدات التاريخية وشواهد العطاء الفني في العمارة العربية الإسلامية التي ما تزال إلى يومنا ماثلة بكل بهائها وشموخها في أرجاء الوطن العربي، تبهر العقول، وتدل العيون على مكامن العبقرية الفنية ودلائل الإبداع.

وأخبرني الدكتور شاكر مصطفى بكثير من الاعتزاز: أنت، بكلمة، مع مؤلفات   د. البهنسي أمام لوحة باذخة تأسر الفكر والمشاعر... ولكنها قبل هذا وذاك، تغني الفكر وتثري محصلتك من المعارف الجميلة التي تسعى وراء المزيد منها.
وبدأت من تلك اللحظة أتتبع مؤلفات الباحث القدير الدكتور البهنسي، وأحرص على حضور محاضراته، التي أمست مراجع لي وللباحثين، فيما نكتب ونؤلّف...

 رحلة الدكتور البهنسي مع الإبداع والعطاء الفكري مستمرة منذ أكثر من نصف قرن، سواء في المناصب الأكاديمية والإدارية التي أسّندت له، أو في صفوف التدريس الجامعي أو في أبهاء الندوات والمؤتمرات العلمية والدولية... أو على منابر المحاضرات في المراكز الثقافية، أو على صفحات العشرات من دراساته ومؤلفاته في فلسفة الفن وتاريخ العمارة وبالذات تاريخ العمارة العربية الإسلامية، باللغة العربية وبلغات أجنبية متعددة.. أو أخيراً في معاجمه وموسوعاته التي تشكّل بمجموعها كنزاً ثميناً من كنوز المعرفة الإنسانية.

سبعون مؤلفاً ونيّف، هي محصلة عمر من الدأب والسهر، جنّد له الدكتور البهنسي طاقاته، وضوء عينيه.. فاغتنت المكتبة العربية بما كانت بمسيس للحاجة له في باب التأليف في التراث والعمارة والفن..
وإن المتأمل في هذه العناوين يستطيع أن يميز خيطاً ذهبياً أنيقاً يجمع بينها وينظمها في عقد متألق، حبّاته: الفن، العمارة، الإبداع.. الجمال...




مع الكتاب والقراءة

تملكني الكتاب صديقاً ونصيحاً وتابعت قراءة روائع الأدب من مكتبة المدرسة . وكان الكتاب ملاذي الحميم .

بحثتُ عن صداقةٍ
 


تَعلو وتَسمو عاليا


فلمْ أجد إلا الكتابْ



خيرٌ جليساً هاديا


خيرٌ رفيقاً في الأنامْ



خيرٌ  قطافاً دانيا


ما ملَّ من صداقتي



ما ملَّ من حواريا


لمْ يبغِ منِّي حاجةً



فؤادُهُ أعطانيا


وكانَ خِلاً صادقاً



وكانَ عوناً وافيا


ما غارَ من أمثالِهِ



ما شكَّ من وفائيا


وكانَ سَمْحاً صادقاً



وكانَ طوعاً راعيا


مجاملاً ومُصْغياً



يُجيبُ عن سؤاليا


مُصففاً على الرفو



فِ مارداً أماميا


إذا أردنا سؤْلَهُ



أجابنا تلقائيا


أفادنا بلهفةٍ



ورغبةٍ وساعيا


وقالَ قولاً صادقاً



خذ ما تشاءُ ماليا


وإن عطا فَحِسْبةً



لا يبغِ منكَ غاليا


سيَّانُ في حِسْبانهِ



أعطيتتُ أم أعطانيا


من لي بخيرٍ من صدي



قٍ مالُهُ كماليا


غذّا عروقي والفؤادْ



وزادَ من إدراكيا


ولمْ يكنْ مُطالباً



بأي فضلٍ عاليا


ولم يكن معاتباً



ولم يكن مُعاديا


من قصيدة –الكتاب –في ديوان أبيات على صفحة الجبين


هواية الشعر

 ما زال الشعر هوايتي الثانية . مجموعات من القصائد نشرتها , تحمل العناوين التالية : أناشيد للوطن – أبيات على صفحة الجبين –أغنيات حالمة – القوافي الثكلى . ولا أدعي كوني شاعراً , ولكن من  حقي امتلاك الوسيلة الشعرية , للتعبير عن انفعال أو موقف أو معاناة .


هل كنت في ماضي الزمان  شاعراً
                             وتمتطي صهو الخيال   ريشتي
أم كنت في   مستقبلي        منارة
                            لموكب الأشعار  في    مسيرتي
رأيت في شعري جواب   دهشتي
                           عرفت وجهي فجأة   في غربتي


التزمت شعر القافية . ونقدت الشعر المجرد

بـحـثـتُ عـن دُرِّ الـكـلام ْ
 في بــــحــو ر ٍ لــم أجـــدْ
 فــي مــــائِــهـــا    رُوَّيــنـا
ولـم أجـــدْ في الــبـحر حِـبراً صافــياً
 بــل آفــةً قـــد أوهــْـنـــت أقــلامـنــــا
كـان الكـلامُ صــــخـرةً ,
 وأصـبحت  رُغـــــم الـزمـان ذرّةً مـــثــقـالـنـــــا
مـشـيـت في مزارع الأشـــعار ِ ,
 فـي بـيـوتـهــا,
 و لـم أجــد أبـوابـــــــنـــا
ريـحٌ من الآهـات أو
 صـوت الـهـجـاءْ
  قـــدْحٌ وذمٌّ قــــابـعٌ   
 في بـيــتــنـــا



منذ العام 1980 شاركت في فعاليات اتحاد الكتاب العرب في مجال البحث الفكري والأدبي , والنشر في  دوريات الاتحاد . وشرفت بتكريم رئيس الاتحاد يوم قال :                            

"من أصعب ما يعاني منه الباحث المدقق أن يكتب عن بعض الشخصيات المبدعة التي يعرفها أو التي يقرأ لها..
الدكتور عفيف البهنسي من الرواد في اتحاد الكتاب العرب، والمؤسس لنقابة الفنون الجميلة، وله باع طويل في عدد من الأكاديميات الفنية والعلمية مثل (كلية الفنون الجميلة) والمديرية العامة للآثار والمتاحف (1971-1988م).


عند البهنسي عاشت الثقافة ألقاً في نسيج دمع وعبرت عن قضايا فنية وفكرية كبرى، فأرست في النفس إشراقاً وحساسية فريدة، ولا سيما حين أخذها إلى فلسفة خاصة بالفكر الجمالي المعبر عن الفن العربي عامة والإسلامي خاصة، فالدكتور الأستاذ يملك حساسية فنية وأدبية لا نظير لها بين أولئك الذين تصدوا لدراسة الفكر الجمالي العربي في التراث المعرفي والعمراني

لذلك يفخر اتحاد الكتاب العرب أن يكون الدكتور البهنسي واحداً من رواده العظام، فهو بحق رمز معدود بين رموزه , ومن ثمة هو واحد من رموز الثقافة الفنية السورية والعربية المعاصرة...


No comments:

Post a Comment

Note: Only a member of this blog may post a comment.