Friday, December 25, 2015

الفصل الاول: السيرة الذاتية


الطفولة


تبدأ سيرتي حيث ولدت في منطقة الشهداء في مدينة دمشق. واسم هذه المنطقة مرتبط باسم جامع عثماني أنشئ على قبور دارسة لمجموعة من الشهداء يقال أنهم من الصحابة. وكان اسم هذه المنطقة (أرزة)، وهي قرية كانت تقع على درب الصالحية الذي يصل المدينة بسفح جبل قاسيون، حيث أقام جماعة من الصالحين من بني قدامة وكانوا قد نزحوا من القدس بعد الاحتلال الصليبي.


في بيت تملكه والدتي ذي طراز خاص أنشئ في عصر الانتداب حسب الطابع المتوسطي (نسبة للبحر المتوسط) مؤلف من طابقين وفسحة سماوية ,ولدت في السابع عشر من شهر نيسان عام ألف وتسعمئة وثمانية وعشرين، ومازال هذا التاريخ مكتوباً على سقف منخفض في إحدى الغرف، كان والدي قد كتبه يوم ولادتي في هذه الغرفة، التي تقع ملاصقة خلف جامع الشهداء حيث كان الشيخ شفيق عم والدي إماما لهذا الجامع ومدرساً.



بيتي بيوتٌ صغتها حرفاً وصوْ        تاً صادحاً من جوقة ِاللحن الجديدْ
بنيت فيها مكتباً          وقاعة        منارةً       تشع بالقول     السديدْ
نوافذي مفتوحةٌ .   بابي الكبيرْ        بابي الصغيرُ   والقديم ُ   والجديدْ
بلاشباكٍ          أو ستارٍ مانعٍ        بلا     رتاجٍ    أوقفولٍ    أو قيودْ

بيتي كتابٌ مرجعٌ صفحاته ال        ملأى   بكلِّ طارف ٍ     ومن تليدْ




في المكتبة الوطنية كتاب يتضمن شجرة العائلة ,وفيها أسم والدي رفيق ابن أديب ابن سعيد ابن محمد ابن السيد عبد الرزاق وحتى المهلب البهنسي في القرن الرابع الهجري.

وأسرة البهنسي من الأشراف، وفي شجرة العائلة أسماء أجداد تولوا دائماً أمور القضاء والفقه والسياسة، ولقد سكنت هذه الأسرة دمشق منذ ألف عام، وترك الوزير المجد البهنسي في القرن العاشر المدرسة البهنسية التي مازالت آثارها في دمشق وراء جامع العدس، والحديقة البهنسية التي ضمت إلى قصر تشرين.وتحدث عنها المؤرخون وبخاصة أبو البقاء البدري الذي شملها برياض النيربين وفيه مقاصف وهي حسنة الاثمار كثيرة الازهار وبها سويقة وحمام وجامع بخطبة  وهي مسكن الرؤساء والاعيان . 

بيت مولدي في حي الشعلان

يشتهر هذا الحي اليوم بأسواقه التي اقتحمت أطراف مساكن العائلات التي أفرزت أعلاماً ومثقفين كان لهم دور واسع في نهضة دمشق وفي سياسة سوريا، وفي هذا التحقيق السريع أتحدث عن الواقع السكني لهذا الحي في منتصف القرن العشرين، وكنت شاهداً على التحولات المعمارية والإسكانية فيه منذ صغري، ففي هذا الحي ولدت وترعرعت وساهمت مع رفاقي في نشاطات ثقافية واجتماعية.

يمتد هذا الحي من حدود شارع الحمراء شرقاً إلى حدود شارع الجلاء غرباً , ومن حدود بناء دار السلام جنوباً إلى حدود ساحة عرنوس شمالاً، ومازال التنظيم العمراني ثابتاً فيما عدا إحداث شارع الجلاء في العام 1949 الذي التهم جميع البساتين التي كانت تحد امتداد هذا الحي غرباً، مثل بستان الملا والعلامة والسبكي، وفيما عدا التغيرات المعمارية التي تناولت الأبنية القديمة تعديلاً أو تحديثاً أو إضافة. ويعرف هذا الشارع بإسم شارع أبو رمانة , نسبة لمقام كان في أعلى الشارع يحمل هذا الاسم .

أيام طفولني في أقصى الشرق كانت ثمة طاحون الوز متاخمة لحي الشهداء تعتمد على مياه فرع من نهر ثورا تقع في الضفة الجنوبية من الطريق الأساسي، يليها منزل فخم ذو حديقة كبيرة كان من أملاك حسني البيطار الذي كلف بمنصب رفيع في حكومة المديرين، ومعه ابنه الدكتور منير عميد كلية الطب، وخلف هذا المنزل يقع مسكن الأستاذ صلاح الدين البيطار.وأزيلت هذه المجموعة السكنية بعد إحداث شارع الحمراء .
 وبعد مجموعة جامع الشنواني، كان منزل (بانسيون) تديره المدام (ليّا) من بلودان، أقام فيه على التعاقب زكي الأرسوزي وعبد السلام العجيلي وأنطون مقدسي.
ثم نصل إلى مصلبة الشارع حيث يتقاطع مع الطريق الشمالي الجنوبي، ومن أبرز الأبنية فيه عيادة زعيم الثورة الدكتور عبد الرحمن الشهبندر وفيه شهدت مقتله. ثم نصل إلى مجموعة أبنية الشعلان و مازالت كلها قائمة رغم ترهلها، ويليها طاحونة أبو أحمد النويلاتي. وكان يتولى تنظيم الاحتفالات الشعبية أيام الاعياد, ويشارك في ألعاب السيف والحجم ,
وبناء الشعلان هذا كان ملكاً لطه باشا الهاشمي انتقل بدعم رسمي إلى ملكيه نوري ابن شعلان أمير قبائل الرولة التابعة لقبيلة شمر والتي انتشرت في جنوب حوران وفي بادية الشام، وكان هذا الأمير يعيش مع ولدي أخيه نواف، الكبير هو الأمير فواز الذي أصبح نائباً في المجلس وتزوجت ابنته نورا من ملك السعودية، والأصغر الأمير نايف والد الدبلوماسي فواز . ومن أبرز مساعدي الأمير نوري، الشيخ أبو محمد النويسر والشيخ أبو محمود النعمان، وأولادهما من أصدقائي الذين كلفوا  بمهام عالية في حكومة الرياض.وفي هذا المربع المعماري كان منزل السيدة نهلا القدسي التي أصبحت زوجة الموسيقار عبد الوهاب. وكانت زميلتي في مدرسة الجامعة العربية للأطفال.
 ويمتد هذا الرصيف من الأبنية إلى أن نصل بيوت آل الزهراء وعلى رأسهم الدكتور عبد القادر وولده الدكتور أحمد , ويليه منزل الطبيب عبد القادر راضي وكان سخياً في خدمة المرضى من السكان . ثم منزل حقي الشريف وأولاده سهام وعصام والصديق العالم الموسيقي صميم.  ونتابع الأبنية حتى تنتهي عند عمارة الشيخ العالم بهجت  البيطار الحديثة.
وخلف هذه الضفة الجنوبية، توزعت بيوت عائلات لبنانية عريقة من أسرة النعماني وشاتيلا ودمشقية ومشنوق في حي الحبوبي، ومازال قائماً مسكن المناضل والمؤرخ عبد العزيز العظمة وولديه الوزيرين نبيه وعادل والد صديقي عصام الذي أصبح مديراً للبنك العربي في جنيف.
ونترك البساتين الغربية  التي أصبجت أحياء جديدة تضم شارع الجلاء ( أبو رمانة ) وشارع المالكي ,لكي نتابع وصف السكان في الضفة الشمالية من الشارع . ونبدأ جنوباً ببيوت أنشأها تجار دمشقيون مشهورون من أسرة الحامض، السراقبي، والجابي، وفي مصلب الشارع نقف عند بناء الشيخ الصالح ياسين الفرا.  ثم نتابع المسير حتى نصل إلى بناء اللواء عبد الله عطفة أول وزير دفاع في سوريا بعد الجلاءومن أولاده الصديق الطبيب بدرالدين  ، على أننا لن ننسى أن نطل وراء هذا البناء على بستان السبكي وأصحابه أبو حمدي وأبو صبحي قبل أن يزول، محتفظاً بحديقة عامة تحمل هذا الاسم. وكنا نرتع فيه مع أصدقاء من أسرة الطباع و إبنهم صديقنا اللواء تيسير,  ومن أسرة المحاسب والصديق عدنان أول المختصين بعلم الذرة، ثم بيت صديقي الفيلسوف مطاع صفدي .

ونزور الأبنية المشرفة على بستان السبكي  وفيها أقمت مع أسرتي وأهلي وكان بجوارنا مسكن مجموعة من الشباب العروبيين الذين هاجروا من لواء اسكندرون، من أبرزهم الاستاذ زكي الارسوزي والشاعر سليمان العيسى والدكتور وهيب الغانم والكاتب صدقي إسماعيل. وإلى جانبه مقر مختار الشعلان عمي الشيخ شفيق البهنسي، وفي مقابله منزل أسرة الصديق الدكتور شاكر مصطفى قبل زواجه من شقيقة الدكتور عبد الله عبد الدايم وانتقاله. وليس بعيداً ما زالت شقة كانت مسكناً للدكتور بديع الكسم صديقنا الكبير وأعقبه أخوه االدكتور عبد الرؤوف  الذي تقلد منصب رئيس مجلس الوزراء,
 وسنقف أمام منزل ذي حديقة كان أول مقر لحزب البعث العربي وعلى رأسه ميشيل عفلق وصلاح البيطار , وعلى امتداده شرقاً كان مقر عصبة العمل القومي برئاسة فهمي المحايري وكانت زوجته الأستاذة منيرة مديرة مدرستي في روضة الأطفال في بناء زيوار العظم جانب المشقى الايطالي الذي هدم وأصبح ثانوية تجارية للإناث. وليس بعيداً عن ساحة عرنوس مازال منزل نازك الحريري زوجة رفيق الحريري السياسي اللبناني و والدها أسعد عودة الصيدلي في سوق الحريقة ، ولقد هدم مسكن أكرم العجة المثري الكبير ووالدته أم أكرم عند إنشاء شارع الحمراء.

وكامتداد مكاني لحي الشعلان، سأتكلم عن ذكرياتي في حي الشهداء إلى زمن سابق للحرب العالمية أي إلى الثلاثينات من القرن الفائت.
ويجب أن نعود إلى بداية القرن العشرين لنرى هذه المنطقة وكانت مجموعة من البساتين هي ما تبقى من قرية أرزة التي نزلها العرب في بداية فتح دمشق ثم اضمحلت وأصبحت بساتين محاطة من الشرق ببساتين شرف ومن الغرب ببساتين السبكي وعلاّمة والملاّ والصباغ.
ومنذ بداية القرن العشرين ابتدأت حياً سكنياً أنشئت بيوته حسب أسلوب عمارة البحر المتوسط، وكان من سكانها دمشقيون نزحوا من المدينة القديمة أو من الصالحية، إضافة إلى بعض السكان الأرمن، واعتمد هذا الحي في كيانه العمراني على وجود جامع قديم أطلق عليه اسم جامع الشهداء ومنه اسم الحي، ولقد جدد هذا الجامع في نهاية القرن التاسع عشر. وبشكل موازٍ لهذا الحي من جهة الغرب كان طريق الصالحية الذي حفل بدكاكين الباعة لسد خدمات هذا الحي وحي حارة بندق المقابل.
وكان الشيخ شفيق البهنسي عم والدي، إمام جامع الشهداء كما كان مختار الحي كله وكان حي الشهداء  حياً راقياً من أحياء دمشق، ولدت أنا في أحد بيوته في العام 1928.
ويمكننا أن ندخل هذا الحي اليوم باتجاه الغرب من طريق الصالحية إلى الشمال من الجامع لنرى إلى يسارنا أول بناية جديدة كانت ملكاً لأسرة الدكتور أسعد أسطواني , وبعدها مازالت مصبغة شبيب قائمة، ويقع تجاهها منزل رفيق الكزبري وشقيقاته المهذبات واحدة منهن مازالت على قيد الحياة.
ثم نصل إلى تقاطع طريقين لنسير أولاً باتجاه الجنوب في طريق أصبح يحمل اسم جادة الكويت، وكان اسمه حارة النهر، وإلى اليمين كان منزل المالكي وأولاده زياد وصديقي غسان وبناته تميمية ومهيبة من حملة الشهادات العليا.
وبعده كان منزل العيطة الكبير, ويليه منزل القابلة (الداية) أم علي الحمصي صاحب دكان لبيع المواد الغذائية، هذه الداية كانت القابلة الوحيدة التي ساهمت بولادة أكثر أبناء الحي ومنهم أنا وأخي خالد.
بعد هذا المنزل كان بيت الخطيب  من أصل فلسطيني وأولاده الصديق هشام الذي أصبح طبيب تخدير وشقيقتاه المربيات المعلمات براءة ونجاة، وكانت أمه معلمة أيضاً.
إذا عدت إلى بداية هذا المنعطف فإنني أتجاوز بيت الكزبري في الزاوية إلى بيت أبو شفيق البستاني حيث كان يسكن والدي أحمد رفيق مع أخوته فريد وشوكت وأبيه , جدي محمد أديب  وكان رئيس ديوان محكمة التمييز.
وملاصق لهذا المسكن كان منزل والدتي مكية العش تعيش مع أمها كاتبة الجابي وكانت فرصة الجوار سبب زواج والديّ والسكن في بيت والدتي وجدتي، وفي هذا البيت الذي مازال قائماً بعمارته المتوسطية ذات الواجهة الحجرية، ولدت أنا وأخي خالد ويصغرني عامان.


يا بيتنا في حارةٍ    مصونةٍ       قد كنت لي ,مدينةً وموطنا
سكنتَ فينا أدهراً , وقد عرفنا       دائماً ,    من يحتوي وجداننا
سكبتَ في عروقنا حباً سرى     في جسمنا وعقلنا  . وقلبنا

من ديوان "أبيات على صفحة الجبين "

وبالمسير بعد هذا المسكن نصل الى بيت زياد ساعاتي ثم بيت الخياطة مدام برصا ثم بيت الأرمن وبعده بيت شيخ قطنا ,ثم نصل إلى طاحونة الوز، وكان ثمة فرع من نهر تورا يسير تحت هذه البيوت وهذا سبب تسمية الطريق بحارة النهر.
وإذا عدت إلى تقاطع الطرق واتجهت نحو الشمال فإنني سأتجاوز بيت الدقر وأولاده عدنان الذي أصبح عميداً في الجيش وأخوته وأصبحوا موظفين في وزارة الخارجية، ثم نصل إلى عيادة الدكتور خير ومقابله منزل آل الداغستاني والشابة أميرة وقد أصبحت زوجة الدكتور شفيق الصفدي . وقبله كان ثمة بيوت سكنتها عائلات دمشقية وأرمنية.

ثم نعود ثانية إلى تقاطع الطرق لكي نتابع استقامةً باتجاه الغرب لنرى طريقاً قطعه شارع الحمرا، وكان مستقيماً يصل إلى حي الشعلان، وأذكر من سكانه في ذلك الوقت إلى اليمين بيت سعيد وزكي الحواصلي ثم بيت جدي ثم بيت فهمي المحايري، رئيس حزب العمل القومي وزوجته منيرة معلمتي في دار الحضانة , ثم منزل خالتي وزوجها جمال صدقي وابنه صديقي المستشار عادل , ومقابله منزل العميد برهان داغستاني وأمه سيدة المجتمع التركية الأصل أم برهان صديقة جدتي لوالدي عائشة الشيشكلي.
وأذكر بيوت هذا الطريق من الجهة الجنوبية بيت السراقبي ومنزل خال والدتي القائد أبو الخير الجابي الذي شارك في موقعة ميسلون، وابنه الطبيب اللواء أحمد وابنه الثاني رفيق، وفي نهاية هذا الطريق نصل إلى حي الشعلان .

لم تدخل السيارة إلى هذا الحي، بل كان الحصان وسيلة انتقال بعض السكان إلى مزارعهم في الغوطة وكان الباعة الجوالون على الدواب، يغادرون الغوطة  على محمولهم من الخضار والفواكه جاؤوا بها من البساتين الواسعة ، وتداهم الجمال الحي لنقل الحطب , كما تتزاحم قطعان الماعز لتوزيع الحليب. ولم تكن الكهرباء والمياه قد امتدت إلى جميع المساكن .

هذه دراسة سريعة أردت أن أذكر من خلالها ذكرى حياة سكانها وكانت تربطهم أواصر المودة والتعاون والقرابة والمصاهرة أحياناً.

طوّفت في الآفاق في كلِّ الدنى          وعدت مشدوداً إلى مدينتي
وما جعلت موقعاً سكنى    ولا           فضَّلت منزلاً على عشيرتي
لي موطنٌ يمتد من أقصى الخل         يج والمحيط     واحداُ  لأمتي
فكلُّ قطرٍ في البلاد     موطني          لكن أرضي بالشآم     كعبتي

من ديوان أبيات على صفحة الجبين 


شارع عفيف البهنسي

بتاريخ 17 نيسان 2011  بناء على اقتراح وزير الثقافة الدكتور رياض نعسان آغا وبمناسبة تكريمي  , صدر قرار مجلس محافظة مدينة دمشق بتسمية شارع في حي الشعلان بإسم شارع عفيف البهنسي . ويمتد من شارع الحمراء إلى شارع الجلاء


No comments:

Post a Comment

Note: Only a member of this blog may post a comment.